تبا لكم !... / بقلم الإعلامي الدكتور محمد فاضل أحمد فال

بواسطة محمد صالح

تَبًّا لكم!

استفزّتني هذه العبارة التي صدرت مؤخرا عن رئيس حزب تواصل الدكتور امادي سيد المختار؛ كما استفزّت كثيرين غيري. غير أنّها حفّزتني في الوقت نفسه ـ بحكم تجربتي المتواضعة كأستاذ للترجمة ومترجمٍ محلّف أمام المحكمة ـ على بسط خمسة مستويات هنا من التعبير الإنجليزي تُظهر درجات الإهانة والاعتداء اللفظي، وهي معطيات يغيب جانب مهم منها عن المتلقي الوريتاني.
فقد درج عدد من مستخدمي هذا الفضاء الأزرق وفي التواصل الشفهي اليومي على الربط بين عبارة «تَبًّا لكم» وبين تلك العبارة الإنجليزية النابية والفاحشة التي تتبادر مباشرة إلى أذهانهم بوصفها ترجمة صحيحة.

المستوى الأول: الإهانة التي تطعن في الشرف

وهو أخطر مستويات الاعتداء اللفظي؛ إذ يمسّ شرف الشخص أو عائلته، وهو مجرّم في معظم القوانين. في الثقافة الإنجليزية تُستخدم الشتائم الفاحشة على نطاق واسع، وهي جزء مألوف من الخطاب اليومي، بينما تُعَدّ في ثقافتنا العربية والإسلامية انتهاكًا أخلاقيًّا ودينيًّا صارخًا.
ومن هنا تظهر أهمية ما يُعرف في الترجمة بـ التكافؤ التداولي (Pragmatic Equivalence). ولن أقدّم أمثلة على هذا المستوى احترامًا للذوق والمشاعر.

المستوى الثاني: الإهانة الفاحشة الشديدة High Offensive and Vulgar

وتندرج ضمنه العبارة الإنجليزية الفاحشة التي يظنّ البعض أنها ترجمة لـ«تَبًّا لك». وهي من مستوى أعلى بكثير من هذه العبارة العربية، لذلك أتجنب إيراد أمثلة مباشرة عليها كذلك.

المستوى الثالث: الإهانة المتوسطة

وهي تعبيرات تحمل غضبًا شديدًا أو انزعاجًا واضحًا دون أن تبلغ مستوى الفحش، مثل:Go to Hell, Damn you 
ويقابلها عربيًّا: «إلى الجحيم»، «عليك اللعنة»، «لا بارك الله فيك»، «ارحل من أمامي»، إلخ .. ومع ذلك، فليست بينها «تَبًّا لكم» أيضًا.

المستوى الرابع: الانزعاج الحاد دون فحش كبير مثل: What the hell, damn, crapويقابلها عربيًّا: «تَبًّا لك»، «ما هذا الهراء؟»، «اللعنة»، «سحقًا»…
وهنا يقع المستوى الدقيق لعبارة «تَبًّا لكم».

المستوى الخامس: الانزعاج الخفيف أو المزاح

مثل: ?Oh man! ، Come on! ، Seriously ويقابلها عربيًّا: «يا رجل!»، «هَيّا!»، «حقًّا؟»، إلخ.

غير أن اتساع السياق التداولي للعبارة الإنجليزية الفاحشة، مقرونًا بترجمتها العربية الخاطئة واسعة الانتشار، شوّه المعنى الدقيق لعبارة «تَبًّا لك» لدى المتلقي الموريتاني. فمع أنّ «تَبًّا لك» عبارة قاسية وهابطة، فإنها لا تبلغ الفحش الذي رسّخته في أذهاننا هيمنةُ الترجمة المغلوطة عبر الأفلام المدبلجة والمواد الإعلامية المستوردة، خاصة من الثقافة الأمريكية.
وقد اختار المترجمون العرب ـ عن وعي ـ هذه الترجمة اللطيفة نسبيًّا، تفاديًا لصدمة المتلقي العربي المسلم، التزامًا بما تُسمّيه دراسات الترجمة الأبعاد غير اللغوية أو Extra-linguistic Factors:
الخلفية الثقافية، القيم، الدين، العادات، السياق، لغة الجسد، إلخ.

وهكذا بالعودة إلى عبارة رئيس حزب تواصل؛ ربما وقع المتلقي الموريتاني في فخّ الدلالة المستوردة التي علقت بعبارة «تَبًّا لكم» نتيجة عقود من التعرض لمنتجات ثقافية مترجمة ترجمة غير دقيقة لغويا (وإن كانت صحيحية مهنيا). وفي المقابل، ربما كان رئيس الحزب يستعمل العبارة في سياقها العربي القديم الذي يعبر عن الغضب والانزعاج لا عن الفحش.
وهكذا أصبحنا أمام تشويه مزدوج:
• متلقٍّ يرى عبارة بعين دلالة أجنبية فاحشة،
• ومتحدث يستخدم تعبيرًا عربيًّا فصيحًا لم يكن ليُعدّ فاحشًا قبل عقود من الزمن.
ولعل هذا مثالا على فشل التواصل والصدام الثقافي الناتج عن الترجمة الخاطئة ـ وحتى الترجمة السليمة مهنيا- وهيمنة الثقافة.